مع حلول اليوم العالمي للمرأة، تسنح الفرصة لتسليط الضوء على مساهمات المرأة في التاريخ والمجتمع والسياسة. ولكن كيف بدأ الاحتفال بهذا اليوم؟ يشير البعض إلى الجذور الشيوعية الروسية لهذا الاحتفال، بينما يدعي آخرون أنه ذو أصل أميركي. والحقيقة هي أنه لا شيء من هذين الأمرين. لقد بدأ اليوم العالمي للمرأة بامرأة يهودية روسية المولد في مدينة نيويورك، قبل أن تسافر إلى الاتحاد السوفييتي وتعود مرة أخرى.
ولدت تيريزا سيربر مالكيل عام 1874 في الإمبراطورية الروسية، في منطقة تقع الآن في غرب أوكرانيا. وكانت تنتمي لعائلة من الطبقة المتوسطة وحصلت على تعليم جيد، لكن عائلتها اليهودية تعرضت للاضطهاد بشكل متزايد وهاجرت إلى الولايات المتحدة في عام 1891، عندما كانت في السابعة عشرة من عمرها.
في مدينة نيويورك، لم يكن تعليمها ذا أهمية تذكر، وفقاً للمؤرخة «سالي إم ميلر»، وجدت «مالكيل» نفسها في الوضع اليائس نفسه مثل العديد من النساء المهاجرات الأخريات، اللواتي يعملن في مصنع للملابس. كانت الظروف قاسية: فمن الممكن أن تستمر نوبات العمل 18 ساعة، وكانت الإصابات شائعة والنساء يحصلن على نصف ما يحصل عليه الرجال، وهو ما يكفي بالكاد لدفع الإيجار في المساكن المزدحمة والمنازل الداخلية. لذلك، مثل العديد من النساء المهاجرات اليهوديات والإيطاليات في ذلك الوقت، سرعان ما انضمت «مالكيل» إلى الحركة العمالية، ثم بدأت نقابة للعاملات في صناعة العباءات.

أصبحت «مالكيل» اشتراكية، وتزوجت في سن 26 من زميلها الاشتراكي والمحامي ليون مالكيل. كتبت ميلر أن دخل زوجها سمح لها بمغادرة المصنع الاستغلالي، ولكن بعد انتقالها إلى ضاحية يونكرز وإنجاب طفل، واصلت مالكيل نشاطها حيث كانت تقدم المساعدة للنساء المهاجرات، وتولت مناصب قيادية في الحزب الاشتراكي الأميركي، وشاركت هي وزوجها في تأسيس صحيفة اشتراكية بعنوان «دعوة نيويورك» (أو ذا نيويورك كول).
كانت مالكيل من أشد المؤيدين لمساواة المرأة وحقها في التصويت، على الرغم من أنها كانت تحترس من نساء الطبقة العليا غير المهاجرات اللاتي يميلن إلى قيادة مجموعات النساء في التصويت. في كتيباتها وأعمدتها وخطبها، كانت مالكيل تجادل بأن المساواة الحقيقية - للنساء والأميركيين من أصل أفريقي والمهاجرين والأطفال العاملين - لن تتحقق إلا من خلال الاشتراكية.

وفي هذا السياق، اقترحت مالكيل إعلان أول يوم وطني للمرأة في عام 1909. وفقاً لتيما كابلان مؤرخة جامعة روتجرز، أقيمت الأحداث في جميع أنحاء نيويورك، حيث تجمع الآلاف للاستماع إلى الخطب والقصائد وغناء الأناشيد الاشتراكية والضغط من أجل الحصول على الحق في التصويت.
تزعم بعض المواقع الإلكترونية أن اليوم العالمي للمرأة يوافق أول يوم إضراب عمالي معروف بقيادة النساء في 8 مارس 1857، أو أن مالكيل سعت لإحياء ذكرى ذلك الإضراب، لكن لا يوجد دليل على حدوث مثل هذا الإضراب على الإطلاق. فلم تذكر الصحف هذا في ذلك الوقت، على الرغم من وجود تغطية واسعة للإضرابات العمالية التي تقودها النساء قبل عقود من الزمن في بوتيكيت –رود آيلاند – ودوفر - نيو هامبشاير. بالإضافة إلى ذلك، تم الاحتفال باليوم الوطني للمرأة الذي أعلنته مالكيل في عام 1909 في يوم 23 فبراير، وليس في 8 مارس.

كان اليوم الوطني للمرأة بمثابة بداية عامين مزدحمين بالنسبة لمالكيل. ففي وقت لاحق من عام 1909 وحتى عام 1910، دعمت إضراباً ضخماً لعمال صناعة البلوزات النسائية، والذي أطلق عليه اسم «انتفاضة العشرين ألفاً»، بمساعدة مالية وخطب ومقالات في الصحف. وبعد أن تحملوا فصل الشتاء على خط الاعتصام، نجح المضربون إلى حد كبير، وحصلوا على أجور أفضل وساعات عمل أقصر، على الرغم من أن أصحاب المصانع رفضوا التزحزح عن مخاوف تتعلق بالسلامة.
انتهى الإضراب في نفس الوقت تقريباً مع الاحتفال باليوم الوطني للمرأة الثاني في 27 فبراير 1910. هذه المرة، كانت هناك أحداث في جميع أنحاء البلاد، وغطت صحيفة نيويورك تايمز تجمعاً كبيراً في قاعة كارنيجي، حيث كان المتحدثون «جميعهم من النساء ما عدا واحداً، والذي كان يندد بالرجال». بحلول عام 1911، كان الاحتفال قد امتد إلى النساء الاشتراكيات في أوروبا، مع وقوع أحداث في فيينا، على الرغم من أن هذه الأحداث عقدت في 18 مارس تكريماً لكومونة باريس (أو الثورة الفرنسية الرابعة)، وفقاً لميلر.

سرعان ما نشرت مالكيل كتاباً بعنوان «يوميات مهاجم صانعات البلوزات النسائية»، وهو سرد خيالي للانتفاضة التي انضمت فيها شابة أميركية المولد إلى زملائها المهاجرين للمطالبة بظروف عمل أفضل.
ولكن بعد مرور عام على الانتصار الظاهري للمضربين، تم الكشف عن هشاشة وضعهم. فقد اشتعلت النيران في مصنع تريانجل لصناعة البلوزات النسائية، والذي كان عماله جزءاً من انتفاضة العشرين ألفاً، مما أسفر عن مقتل 146 شخصاً - 123 منهم من النساء والفتيات، الذين احتجزهم أصحاب المصنع.

على مر السنين، ابتعدت مالكيل عن الحزب الاشتراكي، حيث كانت هي ونساء أخريات محبطات باستمرار بسبب التحيز الجنسي لقيادته، على الرغم من دعوات الحزب العامة للمساواة في الحقوق، وركزت على تعليم الكبار للنساء المهاجرات. وعندما توفيت في عام 1949 عن عمر يناهز 76 عاماً، لم يذكر نعي نشرته صحيفة التايمز مساهمتها في إعلان يوم المرأة العالمي.

استمر الحدث في النمو بين النساء اليساريات في أوروبا، على الرغم من أن التاريخ المحدد يتحرك كل عام. بعد ذلك، في عام 1917، تصاعدت أحداث يوم المرأة العالمي في روسيا لتصبح إضراباً عاماً انتهى بتنازل القيصر نيكولاس الثاني عن العرش. ومنذ ذلك الحين، تم الاحتفال به في يوم بدء الإضراب، 8 مارس (أو 23 فبراير حسب التقويم اليولياني لروسيا القيصرية).

بحلول الستينيات من القرن الماضي، اختار المناصرون لحقوق المرأة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة هذا اليوم مرة أخرى، واعتمدته الأمم المتحدة في عام 1975 كيوم للاحتفال بإنجازات المرأة.
في القرن 21، جلبت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم العالمي للمرأة إلى أجيال جديدة - وفرص تسويقية جديدة، ربما لم تكن مالكيل وملايين النساء الاشتراكيين اللواتي ابتكرنه ليوافقن عليها.

جيليان بروكيل

كاتبة في مدونة التاريخ بصحيفة «واشنطن بوست»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»